فصل: بيع ما غاب عن مجلس العقد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.شروط البيع:

لابد من أن يتوافر في البيع شروط حتى يقع صحيحا، وهذه الشروط: منها ما يتصل بالعاقد، ومنها ما يتصل بالمعقود عليه، أو محل التعاقد، أي المال المقصود نقله من أحد العاقدين إلى الاخر، ثمنا أو مثمنا، أي مبيعا.

.شروط العاقد:

أما العاقد فيشترط فيه العقل والتمييز فلا يصح عقد المجنون ولا السكران ولا الصبي غير المميز.
فإذا كان المجنون يفيق أحيانا ويجن أحيانا كان ما عقده عند الافاقة صحيحا وما عقده حال الجنون غير صحيح.
والصبي المميز عقده صحيح، ويتوقف على إذن الولي، فإن أجازه كان معتدا به شرعا.

.شروط المعقود عليه:

وأما المعقود عليه فيشترط في ستة شروط:
1- طهارة العين.
2- الانتفاع به.
3- ملكية العاقد له.
4- القدرة على تسليمه.
5- العلم به.
6- كون المبيع مقبوضا.
وتفصيل ذلك فيما يأتي:

.1- الأول: أن يكون طاهر العين:

لحديث جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام فقيل: يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويتصبح بها الناس فقال: لا، هو حرام». والضمير يعود إلى البيع، بدليل أن البيع هو الذي نعاه الرسول على اليهودي في الحديث نفسه.
وعلى هذا يجوز الانتفاع بشحم الميتة بغير البيع فيدهن بها الجلود ويستضاء بها وغير ذلك مما لا يكون أكلا أو يدخل في بدن الادمي.
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: في قوله صلى الله عليه وسلم «حرام» قولان:
أحدهما: أن هذه الافعال حرام.
والثاني: أن البيع حرام.
وإن كان المشتري يشتريه لذلك.
والقولان مبنيان على أن السؤال: هل وقع عن البيع لهذا الانتفاع المذكور، أو عن الانتفاع المذكور؟ والأول اختاره شيخنا وهو الاظهر.
لأنه لم يخبرهم أولا عن تحريم هذا الانتفاع حتى يذكروا له حاجتهم إليه، وإنما أخبرهم عن تحريم البيع فأخبروه أنهم يبيعونه لهذا الانتفاع فلم يرخص لهم في البيع ولم ينههم عن الانتفاع المذكور، ولا تلازم بين عدم جواز البيع وحل المنفعة. اهـ.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه».
والعلة في تحريم بيع الثلاثة الأولى، هي النجاسة عند جمهور العلماء، فيتعدى ذلك إلى كل نجس.
والظاهر أن تحريم بيعها لأنها تسلب الإنسان أعظم مواهب الله له وهو العقل فضلا عن أضرارها الاخرى التي أشرنا إليها في الجزء التاسع.
وأما الخنزير فمع كونه نجسا إلا أن به ميكروبات ضارة لا تموت بالغلي وهو يحمل الدودة الشريطية التي تمتص الغذاء النافع من جسم الإنسان.
وأما تحريم بيع الميتة فلأنها غالبا ما يكون موتها نتيجة أمراض فيكون تعاطيها مضرا بالصحة، فضلا عن كونها مما تعافه النفوس.
وما يموت فجأة من الحيوانات فإن الفساد يتسارع إليه لاحتباس الدم فيه.
والدم أصلح بيئة لنمو الميكروبات التي قد لا تموت بالغلي.
ولذلك حرم الدم المسفوح أكله وبيعه لنفس الاسباب.
واستثنى الأحناف والظاهرية كل ما فيه منفعة تحل شرعا فجوزوا بيعه، فقالوا: يجوز بيع الارواث والازبال النجسة التي تدعو الضرورة إلى استعمالها في البساتين، وينتفع بها وقودا وسمادا.
وكذلك يجوز بيع كل نجس ينتفع به في غير الأكل والشرب كالزيت النجس يستصبح به ويطلى به.
والصبغ يتنجس فيباع ليصبغ به ونحو ذلك، مادام الانتفاع به في غير الأكل.
روى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر سئل عن زيت وقعت فيه فأرة فقال: «استصبحوا به وادهنوا به وأدمكم».
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة ليمونهة فوجدها ميتة ملقاة فقال: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه وانتفعتم به فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة فقال: إنما حرم أكلها.
ومعنى هذا أنه يجوز الانتفاع في غير الأكل.
وما دام الانتفاع بها جائزا فإنه يجوز بيعها مادام القصد بالبيع المنفعة المباحة.

.2- الثاني: أن يكون منتفعا به:

فلا يجوز بيع الحشرات ولا الحية والفأرة إلا إذا كان ينتفع بها.
ويجوز بيع الهرة والنحل وبيع الفهد والاسد وما يصلح للصيد أو ينتفع بجلده، ويجوز بيع الفيل للحمل ويجوز بيع الببغاء والطاووس والطيور المليحة الصورة، وإن كانت لا تؤكل، فإن التفرج بأصواتها والنظر إليها غرض مقصود مباح، وإنما لا يجوز بيع الكلب لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا في غير الكلب المعلم وما يجوز اقتناؤه ككلب الحراسة وككلب الزرع، فقد قال أبو حنيفة بجواز بيعه، وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد. رواه النسائي عن جابر.
قال الحافظ: ورجال إسناده ثقات.
وهل تجب القيمة على متلفه؟ قال الشوكاني: فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب. ومن قال بجوازه قال بالوجوب. ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة.
وروي عن مالك أنه لا يجوز بيعه وتجب القيمة.
وروي عنه أن بيعه مكروه فقط.
وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه ويضمن متلفه.
بيع آلات الغناء: ويدخل في هذا الباب بيع آلات الغناء.
فإن الغناء في مواضعه جائز والذي يقصد به فائذة مباحة حلال، وسماعه مباح، وبهذا يكون منفعة شرعية يجوز بيع آلته وشراؤها لأنها متقومه.
ومثال الغناء الحلال:
1- تغني النساء لاطفالهن وتسليتهن.
2- تغني أصحاب الاعمال وأرباب المهن أثناء العمل للتخفيف عن متاعبهم والتعاون بينهم.
3- والتغني في الفرح إشهارا له.
4- والتغني في الاعياد إظهارا للسرور.
5- والتغني للتنشيط للجهاد.
وهكذا في كل عمل طاعة حتى تنشط النفس وتنهض بحملها.
والغناء ما هو إلا كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فإذا عرض له ما يخرجه عن دائرة الحلال كأن يهيج الشهوة أو يدعو إلى فسق أو ينبه إلى الشر أو اتخذ ملهاة عن الطاعات، كان غير حلال.
فهو حلال في ذاته وإنما عرض ما يخرجه عن دائرة الحلال.
وعلى هذا تحمل أحاديث النهي عنه.
والدليل على حله:
1- ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة، رضي الله عنها، أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بالدف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وقال: «دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد».
2- ما رواه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مغازيه فلما انصرف جاءته جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى.
قال: «إن كنت نذرت فاضربي».فجعلت تضرب.
3- ما صح عن جماعة كثيرين من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسمعون الغناء والضرب على المعازف.
فمن الصحابة: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر وغيرهما.
ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، وشريح القاضي، وعبد العزيز بن مسلمة، مفتي المدينة وغيرهم.

.3- الثالث: أن يكون المتصرف فيه مملوكا للتعاقد:

أو مأذونا فيه من جهة المالك، فإن وقع البيع أو الشراء قبل إذنه فإن هذا يعتبر من تصرفات الفضولي.

.بيع الفضولي:

والفضولي هو الذي يعقد لغيره دون إذنه، كأن يبيع الزوج ما تملكه الزوجة دون إذنها، أو يشتري لها ملكا دون إذنها له بالشراء.
ومثل أن يبيع إنسان ملكا لغيره وهو غائب، أو يشتري - دون إذن منه - كما يحدث عادة.
وعقد الفضولي يعتبر عقدا صحيحا، إلا أن لزومه يتوقف على إجازة المالك أو وليه، فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل.
ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عروة البازقي أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بدينار لاشتري له به شاة، فاشتريت له به شاتين بعت إحداهما بدينار وجئته بدينار وشاة، فقال لي: «بارك الله في صفقة يمينك».
وروى أبو داود والترمذي، عن حكيم بن حزام، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار، فاشتري أضحية فأربح فيها دينارا فباعها بدينارين، ثم اشترى شاة أخرى مكانها بدينار، وجاء بها وبالدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «بارك الله لك في صفقتك».
ففي الحديث الأول أن عروة اشترى الشاة الثانية وباعها دون إذن مالكها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع إليه وأخبره أقره ودعا له، فدل ذلك على صحة شراء الشاة الثانية وبيعه إياها.
وهذا دليل على صحة بيع الإنسان ملك غيره وشرائه له دون إذن.
وإنما يتوقف على الاذن مخافة أن يلحقه من هذا التصرف ضرر.
وفي الحديث الثاني أن حكيما باع الشاة بعدما اشتراها وأصبحت مملوكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اشترى له الشاة الثانية ولم يستأذنه، وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تصرفه وأمره أن يضحي بالشاة التي أتاه بها ودعا له، فدل ذلك على أن بيعة الشاة الأولى وشراءه الثانية صحيح.
ولو لم يكن صحيحا لا نكره عليه وأمره برد صفقته.

.4- الرابع: أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه شرعا وحسا:

فما لا يقدر على تسليمه حسا لا يصح بيعه كالسمك في الماء.
وقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر».
وقد روي عن عمران بن الحصين مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روي النهي عن ضربة الغائض.
والمراد به أن يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره: ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن.
ومثله الجنين في بطن أمه.
ويدخل في هذا بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله، فإن اعتاد الطائر رجوعه إلى محله، ولو كيلا، لم يصح أيضا عند أكثر العلماء إلا النحل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الإنسان ما ليس عنده.
ويصح عند الأحناف لأنه مقدور على تسليمه إلا النحل.
ويدخل في هذا الباب عسب الفحل، وهو ماؤه، والفحل الذكر من كل حيوان: فرسا، أو جملا أو تيسا، وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما رواه البخاري وغيره، لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.
وقد ذهب الجمهور إلى تحريمه بيعا وإجازة، ولا بأس بالكرامة، وهي ما يعطى على عسب الفحل من غير اشتراط شيء عليه.
وقيل: يجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وبه قال: الحسن وابن سيرين، وهو مروي عن مالك، ووجه للشافعية والحنابلة.
وكذلك بيع اللبن في الضرع - أي قبل انفصاله - لما فيه من الغرر والجهالة.
قال الشوكاني: إلا أن يبيع منه كيلا، نحو أن يقول: بعت منك صاعا من حليب بقرتي.
فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة.
ويستثنى أيضا لبن الظئر فيجوز بيعه لموضع الحاجة.
وكذا لا يجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان، فإنه يتعذر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع تمر حتى يطعم، أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع، أو سمن في اللبن. رواه الدار قطني: والمعجوز عن تسليمه شرعا كالمرهون والموقوف، فلا ينعقد بيعهما.
ويلحق بهذا التفريق بالبيع بين البهيمة وولدها لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان.
ويرى بعض العلماء جواز ذلك قياسا على الذبح وهو الأولى.
وأما بيع الدين: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز بيع الدين ممن عليه الدين - أي المدين.
وأما بيعه إلى غير المدين، فقد ذهب الأحناف والحنابلة والظاهرية إلى عدم صحته لأن البائع لا يقدر على التسليم.
ولو شرط التسليم على المدين فإنه لا يصح أيضا لأنه شرط التسليم على غير البائع، فيكون شرطا فاسدا يفسد به البيع.

.5- الخامس: أن يكون كل من المبيع والثمن معلوما:

فإذا كانا مجهولين أو كان أحدهما مجهولا فإن البيع لا يصح لما فيه من غرر، والعلم بالمبيع يكتفى فيه بالمشاهدة في المعين ولو لم يعلم قدره كما في بيع الجزاف.
أما ما كان في الذمة فلا بد من معرفة قدره وصفته بالنسبة للمتعاقدين.
والثمن يجب أن يكون معلوم الصفة والقدر والاجل.
أما بيع ما غاب عن مجلس العقد، وبيع ما في رؤيته مشقة أو ضرر، وبيع الجزاف، فلكل واحد من هذه البيوع أحكام نذكرها فيما يلي:

.بيع ما غاب عن مجلس العقد:

بشرط أن يوصف وصفا يؤدي إلى العلم به، ثم إن ظهر موافقا للوصف لزم البيع وإن ظهر مخالفا ثبت لمن لم يره من المتعاقدين الخيار في إمضاء العقد أو رده، يستوي في ذلك البائع والمشتري.
روى البخاري وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه».
أخرجه الدار قطني والبيهقي.